الصحراء اليومية/ خطار المجاهدي
خرج مئات الشبان المغاربة ممن يُعرفون بـ”جيل زد” في مظاهرات احتجاجية في عدة مدن للمطالبة بتحسين أوضاعهم المعيشية.
وانطلقت شرارة الاحتجاج على الإنترنت ومواقع التواصل حيث اتفق مجموعة شبان أن يوصلوا أصواتهم إلى السلطات رافعين شعارات تعبر عن الأزمة التي يعيشونها خاصة في مجال الصحة والتعليم.
الاحتجاجات لازالت مستمرة ولكن عرف بعضها في الأيام الماضية تسجيل أعمال عنف نتج عنها وفات ثلاث شبان وإتلاف للممتلكات الخاصة والعامة مما قد يهدد أمن الوطن واستقراره.
وتفاعلا مع ما وقع فقد إخترنا لكم ما كتبه خطار المجاهدي مدير مؤسسة التعاون الوطني الذي يشتهر بدقته الأكاديمية وتحليله الجاد.

وهذا ما دونه على صفحته الرسمية بموقع التواصل الاجتماعي فيسيوك:
إذا كان المقصود من أي حراك اجتماعي هو إيصال رسالة إلى الدولة، فإن الرسائل لا تُكتب على جدران الأبناك ولا تُقرأ بين ألسنة اللهب المشتعلة في الشوارع. الدولة ليست صماء ولا عمياء، بل لها آذان مفتوحة وعيون يقظة، والرسائل تصلها عندما تكون مكتوبة بحروف العقل لا بالحجارة.
لقد أثبت التاريخ أن الاحتجاج السلمي كان دائماً أبلغ وسيلة لإحداث التغيير، لأنه يضع المطالب في إطارها المشروع ويحفظ للشارع هيبته ولمؤسسات الدولة شرعيتها. أما حين يتحول الاحتجاج إلى شغب منظم أو عفوي، فإن الرسالة تضيع وسط الدخان، ويصير النقاش منصباً على الفوضى لا على المطالب.
والأخطر أن تتحول بعض هذه الأفعال إلى محاولة مقصودة لعرقلة المشاريع الكبرى التي تراهن عليها البلاد من أجل التنمية وجلب الاستثمارات، أو إلى تشويش على المواعيد الرياضية والاقتصادية والسياحية التي تعوّل عليها الدولة لإبراز صورة المغرب في الخارج. هنا يصبح الأمر أخطر من مجرد احتجاج، لأنه يضرب في عمق المستقبل الاقتصادي والاجتماعي للوطن، ويحوّل الغضب إلى أداة هدم بدل أن يكون قوة اقتراح وبناء.
إن كسر الممتلكات الخاصة والعامة، ومهاجمة رجال الأمن، وتشويه صورة الدولة، ليس سوى انزلاق نحو هاوية مفتوحة لا أحد يعرف أين تنتهي. الأخطر من ذلك أن يُرسم في وعي الشباب أن رجال الأمن أعداء لهم، وأن كل مؤسسة خصم لهم. تلك هي البوابة الكبرى إلى الفوضى، التي إذا فُتحت فإنها ستبتلع الجميع بلا استثناء.
لا أحد يعترض على حق الناس في المطالبة بظروف عيش أفضل، أو خدمات صحية وتعليمية تليق بمواطني القرن الحادي والعشرين. لكن لا شيء يبرر أن تتحول تلك المطالب النبيلة إلى ذريعة للتخريب أو مسرح لإرسال إشارات غامضة عبر وسائل غير سلمية. فالفوضى لا تبني وطناً، بل تهدم ما تحقق بشق الأنفس، وتشوّه صورة البلاد في أعين الداخل والخارج.
إن مسؤولية أولياء الأمور اليوم جسيمة، فهم مدعوون إلى حماية أبنائهم من الانزلاق إلى هذا المستنقع. كما أن مسؤولية المثقفين والإعلاميين والمجتمع المدني لا تقل أهمية، لأن الكلمة الموجهة قد تعيد التوازن لعقول غاضبة، وتحوّل طاقة الرفض إلى فعل إيجابي يغير الواقع دون أن يحرق الجسور.
فلنكن واضحين: الاحتجاج حق، والفوضى جريمة. وبين الحق والجريمة خيط رفيع، علينا أن نحرص على ألا ينقطع. فحين ينقطع، تُفتح أبواب المجهول، ويصبح الجميع ضحايا في مسرح عبث لا أحد يربح فيه شيئاً سوى الخراب.
